السبت، 2 أكتوبر 2010

«كسلا ..بورتسودان .. القضارف» أقاليم أهلكها الجوع والجهل


نقلا عن صحيفة عكاظ السعودية
«كسلا ..بورتسودان .. القضارف» أقاليم أهلكها الجوع والجهل
«شرق السودان».. مطامح السياسة ومطامع الثروة
9/ يناير/2008
  رصد: نصير المغامسي ( الخرطوم)
مشكلات اقليم الشرق هي جزء من مشكلات السودان ككل، وقد تكون نموذجا مصغرا للمشكلات التي يعيشها ذلك البلد في مختلف اقاليمه، وهذا الاقليم يحده من الشمال مصر ومن الشرق اريتريا والبحر الاحمر وفي جزء من الجنوب اثيوبيا وهو اقليم يمتاز بالتداخل السكاني مع تلك الدول وفيه الميناء السوداني الرئيس المطل على البحر الاحمر. السكان الاصليون في اقليم شرق السودان هم قبائل «الهدندوه» و«البني عامر» و «الحباب» و «الامرار» واصبحت منهم قبائل «الرشايدة» التي اصبحت جزءا من النسيج الاجتماعي لشرق السودان والذي استوطنته منذ قرابة المئة عام تقريبا. اقليم الشرق رغم وجود الميناء الرئيسي فيه “ميناء بورتسودان” ووجود الاراضي الخصبة الزراعية ومساحات كبيرة «كدلتا طوقر» و«دلتا القاش» اضافة الى وجود نهري «القاش» و«بركة» اللذين يصبان في منطقتي “طوكر” تجاه بورتسودان، ومنطقة اروما في كسلا لا يزال يعاني الفقر والذي امتد لكافة النواحي رغم أن الاراضي الزراعية كان لها دور اقتصادي هائل في عهد الاستعمار حيث عمد الانجليز الى زراعة القطن والذرة والخضروات ومن ثم تصديرها بكميات ضخمة.
ورغم ان الزراعة لم ترتق الى ذلك العهد رغم تميز ولاية القضارف بزراعة الذرة والسمسم الا انها تشابه الى حد كبير مردود الاهالي من تجارة الحدود مع كل من اثيوبيا واريتريا التي تجري وفقا للاوضاع السياسية الملائمة بين السودان وتلك الدول.
التعليم
ومن المفارقات ايضا ان التعليم حتى الاساسي في هذا الاقليم تراجع كثيرا عما كان عليه في عهد الاستعمار الانجليزي حيث كانت هناك مدارس ابتدائية واعدادية اضافة الى “داخليات” كثيرة جدا الا ان تلك المباني اقفلت مع بدء عقد الثمانينات من القرن الماضي بسبب اهمال الصيانة .وقد تعاقبت على اقليم الشرق انظمة الحكومات في السودان ليصبح في عداد الاقاليم المتخلفة جدا وقد يكون عدم مشاركة ابناء الاقليم في الحكومة المركزية في السابق السبب الرئيسي في عدم معرفة متطلبات واحتياجات ابناء ولايات الشرق.
وقد كان ذلك السبب الرئيسي في نشوء اول حركة سياسية في الاقليم سنة 1958 وهو ماسمي بمؤتمر “البيجا” والذي انطلق من مدينة بورتسودان ليمتد الى باقي المدن الحدودية في الاقليم وتركزت مطالبه على دعم التنمية والارتقاء بالمستوى المعيشي لابناء الشرق وهي المطالب التي تصاعدت تدريجيا الى ان تم تبني رفع السلاح في وجه الحكومة حتى يتسنى تحقيق متطلبات “مؤتمر البيجا” التنموية.
قرار رفع السلاح خلال “مؤتمر البيجا” وجد دعما مباشرا من اريتريا التي دخلت في نزاعات متتالية مع الحكومة السودانية بمجرد اعلان استقلالها عن اثيوبيا. وقد كان الدعم المادي والتدريب العسكري من وفي اريتريا دافعا كبيرا لانخراط عدد من قبائل الاقليم في العمل السياسي والمسلح من خارج “مؤتمر البيجا” كقبيلة الرشايدة التي اطلقت على تنظيمها السياسي “الاسود الحرة” وهو ماشكل “جبهة الشرق” وهي الوعاء الشامل لكل التنظيمات السياسية والعسكرية في اقليم الشرق والذي كان هدفها كما سلف الارتقاء بالمواطن في شرق السودان ودفعه الى المشاركة في العمل السياسي والتنموي ومنح حكم لا مركزي لاقليم الشرق لادارات ولايات الاقليم الثلاث: بورتسودان - كسلا - القضارف برئاسة مساعد رئيس الجمهورية رئيس جبهة الشرق.
ولقد استطاعت الجبهة تحقيق الكثير من المطالب بعضها نفذ وبعضها قيد التنفيذ ونجحت جبهة الشرق ورغم الخلافات التي ظهرت بين مكوناتها وخروج مؤتمر البجا منها وتبادل الاتهامات بين المؤتمر والجبهة وبعض المكونات القبلية الاخرى في الاقليم في لفت الانظار نحو قضايا الاقليم الذي عاش تأخرا تنمويا رغم انه يزخر بالكثير من الثروات.
لكن ما اخذ على جبهة الشرق اتهامها بانها اداة لاريتريا في وجه الحكومة وهي الاتهامات التي ساقها معارضون اعضاء في الجبهة وفي مؤتمر البيجا. و باعتبار ان شرق السودان يشكل عمقا استراتيجيا وامتدادا ديمغرافيا لاريتريا فان اية تطورات لاسيما الامنية منها سوف تنسحب بالضرورة على الغرب الاريتري المتاخم لاقليم الشرق السوداني.
لذا كان من الضروري الهيمنة على أجندة “المؤتمر” حتى لا تخرج عن سياق المصالح الاريترية ومن المآخذ ايضا التي اخذت على تكوين “مؤتمر البيجا” ان الوسيط الاريتري الذي سعى الى دعم وتكوين المؤتمر كان يطالب بمنح المؤتمر مطالبه الديمقراطية والتنموية العادلة رغم الظروف السياسية السائدة في اريتريا لكن من المؤكد ان اي استقرار سيحظى به الشرق السوداني سينعكس ايجابيا على الاوضاع في اريتيريا ولذا كانت الرعاية الاريتيرية لاتفاق اسمرا 2006 بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق التي جاءت لتنهي حالة عدم الاستقرار في الشرق ولتكون تتويجا لاتفاق الجانبين حيال موضوعات السلطة والثروة والامن.
رموز الشرق
يعد موسى محمد احمد احد اهم رموز جبهة الشرق ويشغل منصب مساعد الرئيس بعد توقيع اتفاقية اسمرا وكذلك الدكتورة آمنة ظرار الاكاديمية المعروفة في جامعة الاحفاد والتي تنحدر من منطقة بورتسودان وهي من السودانيات الاوائل اللاتي اكملن تعليمهن الاكاديمي، وعبدالله كنه احد اهم قيادات جبهة الشرق وقد كان عضوا في الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا قبل الاستقلال وكذلك حسن محمد عثمان كنتيباي والمنحدر من قبيلة الحباب كبرى قبائل الشرق وخريج جامعة بغداد وقد ساهم بشكل فاعل في الثورة الاريترية ويعد من أهم القيادات في الجبهة وسليم مبارك رئيس جبهة الاسود الحرة.
اتفاقية اسمرا
بهذه الاتفاقية اقرت الحكومة السودانية بوجود مشكلات في الشرق لاول مرة وان عليها التفاوض بشكل مباشر مع المعنيين بها لا مع الاحزاب رغم ان الحزب الاتحادي الديمقراطي هو الحزب صاحب الشعبية الجارفة في الاقليم برئاسة محمد عثمان الميرغني.
مع بدء عملية التفاوض بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق توالدت ازمات اخرى في شرق السودان فالتجمع الوطني الديمقراطي “آنذاك” حاول الدخول في معترك المفاوضات.
كما ان جبهة الشرق باتت تتفكك بسبب الصراع القبلي الذي نشأ داخلها فكل قبيلة كانت تسعى الى الحصول على أكبر قسم من الثروة والسلطة من الحكومة، فاتفاق السلطة نص على توزيع 60 منصبا دستوريا على ابناء الشرق سواء في مؤسسة الرئاسةأوفي الحكومة الاتحادية الولائية وفي البرلمان ومن هنا بدأت المحاصصة بين القبائل وبدأت معها الاتهامات والانشقاقات داخل جبهة الشرق.
وبقي ملف تنمية الشرق والاستثمار فيه الذي تكونت لجنته مؤخرا كأحد بنود اتفاق اسمرا مرهوناً بالانشقاقات القبلية داخل الجبهة التي يرى عدد من المراقبين انها قد تأخذ منحى تصاعديا قد يعيد معه الصراع المسلح لكن هذه المرة بين قبائل جبهة الشرق.
على الرغم أن الحكومة السودانية عملت منذ توقيع اتفاقية اسمرا على جمع الجزء الاكبر من سلاح جبهة الشرق واستيعاب الجزء المتبقي لكن يبقى عدم وجود الضامن الدولي لاتفاقية اسمرا هو ما يهدد تنفيذها بشكلها الكامل وان تكون انطلاقا للاستقرار في اقليم الشرق السوداني.
ورغم ذلك فان الضامن الوحيد لهذه الاتفاقية كان ولا يزال هو الحكومة الاريتيرية، وفي هذا الصدد يقول الصحفي الاريتري جمال همت: لا أدري كيف جمعت الحكومة الاريترية الفرقاء السودانيين في دائرة التفاوض والاتفاق دون ان يكون هناك مندوبون من الأمم المتحدة او الجامعة العربية او أي من المنظمات الاخرى وان تكون الحكومة الاريتيرية هي الراعي والضامن في نفس الوقت لاقليم الشرق في السودان الذي تتجاوز مساحته اضعاف مساحة دولة اريتريا نفسها ولذا فان اتفاق اسمرا هو اتفاق هش قد يكون نقطةلتجدد النزاعات بين اطرافه.
ويضيف: صحيح ان اريتريا هي امتداد طبيعي لشرق السودان استراتيجيا واقتصاديا واجتماعيا فمعظم سكان الشرق لا يمكن تمييزهم عن المواطنين الاريتريين بل ان من اشرف على سير مفاوضات اسمرة من الجانب الاريتري هو الوزير عبدالله جابر الذي ينحدر من القبائل المشتركة بين اريتريا وشرق السودان بل ان موسى محمد حامد رئيس جبهة الشرق ومساعد الرئيس حاليا لا تستطيع ان تميزه عن اي اريتري اذا ما كان في اسمرا لكن ذلك لا يدعو الى استغلال ملف الشرق السوداني كورقة في وجه الحكومة السودانية وهو الحال الذي قد تنتهجه الحكومة السودانية تجاه المعارضة الاريترية ويتوقف عليه مستقبل شرق السودان.
الحركة الشعبية
وضعية الشرق السوداني في كونه ورقة سياسية بين اريتريا والحكومة السودانية اتاح للحركة الشعبية الدخول في ملعب الشرق على الرغم من عدم امتلاكها لأي امتداد او قواعد هناك..الا ان طلب التحالف الديمقراطي في السودان المعارض (انذاك) والذي ضم (الميرغني- جون قرنق- عبدالعزيز خالد- الصادق المهدي) دخول قوات الحركة الشعبية الى شرق السودان واحتلال “همشكوريب” ووصولها الى كسلا اكبر مدن الاقليم الشرقي كان خطة للتواجد من اجل تعويض فشل التحالف المعارض في مواجهة الحكومة السودانية عسكريا في شرق السودان. لكن اتفاقية “نيفاشا” للسلام بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية فصلت قضية الشرق عن قضية الجنوب ثم تلا ذلك تكوين جبهة الشرق ومعها بدأ تفكك التحالف الديمقراطي السوداني حيث عاد الصادق المهدي وكذلك عدد من القوى الاتحادية التابعة للميرغني الذي وقع مع الحكومة السودانية اتفاقية القاهرة وبات التحالف في حكم المنحل وبدأت معه المفاوضات بين جبهة الشرق والحكومة السودانية وهو ما أسفر عنه الاتفاق بين الجانبين في العاصمة الاريترية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عاصفةالحسم

بسم الله الرحمن الرحيم عاصفةالحسم شعر / ادريس نور محمد على * تاقت النفوس لأرض الطهر .......والنقاء الحرم الشريف قبلة النور ومحط الرجاء م...